فصل: الأمير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 الأمير يوسف بك زوج هانم بنت ايواظ بك

وتزوج بها بعد موت عبد الله بك واصل يوسف بك من مماليك ايوائ بك وقلده الإمارة والصنجقية اسمعيل بك وعرف بالخائن لآنه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس أخبر عنه وخفر ذمة نفسه وسلمه إليهم فقتلوه فسماه أهل مصر الخائن‏.‏

ولماحصل ما تقدم ذكره من قصة أجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الأرمني ونقل عنهم المملوك مجلسهم إلى علي بك الهندي وأرسله علي بك إلى الأمير ذي الفقار والباشا فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الأرمني ومصطفى بك ابن ايواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة ولم يزل في اختفائه إلى أن حضر رجل عطار إلى أغات مستحفظان وأخبره عن رجل من الفقهاء يأتي إلى الجزار بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني وكان من عادته أن لا يأخذ سوى رطلين في يومين ولا بد لذلك من سبب بأن يكون عنده أناس من المطلوبين فركب الأغا والوالي إلى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع فطلعوا إلى أعلى المكان نزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا فنزل الأغا وهو يشتم العطار وأراد ضربه وإذا بشخص من الأجناد أراد أن يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس إنسان في مكان متسفل مظلم فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى إلى داخل فأخبر الأغا فأوقدوا الطلق وإذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق إلى اسفل فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان فقبضوا عليهم وأنعم الأغا على العطار وأخذهم إلى الباشا فأرسلهم إلى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد‏.‏

ومات كل من الأمير محمد بك جركس الصغير وأخ محمد بك الكبير وذلك أنه لما أنقضى أمر محمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا إلى مصر متنكرين واختفيا في بيت رجل من أتباعهما بخطة القبر الطويل ومعهما مملوكان‏.‏

فأخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد وأتى إلى أغات الينكجرية فأخبره فأرسل الأغا والوالي والأوده باشا وحضروا إليهم فرموا عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم إلى الليل وحضر علي بك مصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت إلى بيت حتى وصل إليهم وأوقدا نارًا من أسفل المكان الذي هم فيه فأحسوا بذلك ففر أحد المملوكين هرب وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الاثنين وقتلوهما ودفنوهما‏.‏

ومات الأمير خليل أغا تابع محمد بك قطامش أغات العزب سابقًا وهو الذي أنتدب العمل المتصف المتقدم ذكره وتزيا بزي أوده باشا البوابة ودخل إلى بيت الأمير ذي الفقار وقت آذان العشاء ومعه سليمان أبو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم‏.‏

ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه فأقر على سيده وغيره فقبضوا على خليل أغا من المكان الذي كان مختفيًا فيهوكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان أغا أبو دفية‏.‏

ففي ذلك الوقت قال أبو دفية‏:‏ قوموا بنا من هذا المكان فإن قلبي يختلج‏.‏

فقال يوسف الشرايبي‏:‏ وأنا كذلك‏.‏

فتقنعا وخرجا وأستمر خليل أغا في محله حتى وصلوا إليه في ذلك اليوم كما ذكر وأخذه الأغا إلى بيت علي بك ذي الفقار فأرسله إلى الباشاوأرسله الباشا إلى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد وكذلك عثمان أغا الرزاز وغيره‏.‏

وأما أبو دفية فانه لم تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا فذهب أبو دفية إلى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة وركب فرسه ووضع له أوراقًا في عمامته وخرج في وقت الفجر إلى جهة الشرقية وذهب مع القافلة إلى عزة ثم إلى الشام وسافر إلى اسلامبول‏.‏

وخرج في السفر وذهب إلى عند التترخان فأعطاه منصبًا وعمله مرزةوتزوج بقونية ولم يزل هناك حتى مات‏.‏

وأما يوسف بك الشايبي فذهب إلى دار بالأربكية وخفى أمره ومات بعد معد ولم يعلم له خبر‏.‏

ومات عبد الغفار أغا بن حسن أفندي وقد تقدم أنه تقلد في أيام ابن ايواظ أغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك وسببه أن حسن أفندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة وكان من يأتي منهم إلى مصر يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم فاتفق أنه أهدى إلى السلطنة عبدا طواشيًا فترقى هناك وأرسل إلى ابن سيده مرسومًا بأغاوية المتفرقة وذلك في سنة 1135 بعد موت والده وألبسه الباشا قفطانًا بذلك وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الألماع يذكر بعضها والتجأ المترجم إلى ابن ايواظ وهرب من الباب ولحديث قتله نبأ غريب وذلك أنه في أثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير إلى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار أغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية‏:‏ عندكم إنسان يسمى عبد الغفار أغا قال له‏:‏ نعم كان أغات متفرقة ثم عمل أغات عزب وعزل‏.‏

فقال‏:‏ أرسل إليه بالحضور‏.‏

فخرج كتخدا الجاويشية وأخبر محمد بك قطامش الدفتر دار فقال‏:‏ أرسل إليه وأطلبه للحضور‏.‏

وطلب الوالي فقال له‏:‏ إذا أنقضى أمر الديوان فأنزل إلى باب العزب وأجلس هناك وأنتظر عبد الغفار أغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر خلفه حتى يدخل إلى بيته فاعبر عليه وأقطع رأسه‏.‏

فلما أحضر المترج صحبة الجاويش ودخل إلى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء فأشار إلى عبد الغفار أغا فجلس وأكل صحبته وحادثه الباشا فقال له‏:‏ أنت لك صاحب في الدولة قال‏:‏ نعم كان لأبي صديق من أغوات عابدي باشا وكان شهر حوالة وبلغني أنه الأن كتخدا الوزير وكان أشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا ولما عزل عابدي باشا أخذها وسافر فهو إلى الآن يودنا ويراسلنا بالسلام‏.‏

فقال له الباشا‏:‏ أنه أرسل يوصينا علييك فانظر ما تريد من الحوايج أو المناصب‏.‏

فقال‏:‏ لا أريد شيئًا ويكفينى نظركم ودعاؤكم‏.‏

وأخذ خاطر الباشا ونزل إلى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في أثره ولم يزل سائرًا خلفه حتى دخل إلى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة وكان بيته بالناصرية فعند ذلك قبضوا عليه وأخذوا عمامته وفروته وثيابه وسحبوه إلى الإسطبل فقطعوا رأسه وأخذها الوالي مع الحصان وأتى بهما إلى بيت محمد بك قطامش فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن إلى القلعة صارخات فقال الباشا‏:‏ ما خبر هذا الحريم فقالت والدته‏:‏ حيث أن الباشا أراد قتله كان يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج إلى ديوان قايتباي واستخبرهن فأخبرته بما حصل فاغتم غمًا شديدًا وطلب الوالي وأمر برجوع الحوايج والرأس وأعطاهن كفنا ودراهم وأعطى والدته فرمانًا بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان ونزلت الأغوات والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه‏.‏

ولما طلع محمد بك قطامش إلى الديوان قال له الباشا‏:‏ تقتلون الأغوات في بيوتهم من غير فرمان‏.‏

فقال‏:‏ لم نقتله إلا بفرمان فإنه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقاربك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله وكان عند المترجم سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن أبي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فأرسل من أخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية أيام‏.‏

في ذكر حوادث مصر ابتداء من سنة 1143 في ذكر حوادث مصر وولاتها وتراجم أعيانها ووفياتهم ابتداء من سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ووجهه أن بهذا التاريخ كان انقراض فرقة القاسمية وظهور أمر الفقارية وخلع السلطان أحمد من السلطنة وولية السلطان محمود خان ووالي مصر إذ ذاك عبد الله باشا الكبورلي بباء معطشة فارسية نسبة إلى كبور بلد بالروم وحضر إلى مصر في السنة الخالية وكان من أرباب الفضائل وله ديوان شعر جيد على حروف المعجم ومدحه شعراء مصر لفضله وميله إلى الأدب وكان إنسانا خيرًا صالحًا منقادًا إلى الشريعة إبطل المنكرات والخمامير ومواقف الخواطىء والبوظعن بولاق وباب اللوق وطولون ومصر القديمة وجعل للوالي والمقدمين عوضًا عن ذلك في كل شهر كيسًا من كشوفيات الباشاوات وكتب بذلك حجة شرعية وفيها لعن كل من تسبب في رجوع ذلك‏.‏

ووصل الأمر بالزينة في أيامه لتولية السلطان محمود وكان الوقت غير قابل لذلك فعملوا شنكًا ومدافع بالقلعة‏.‏

عزل عبد الله باشا وتولية عثمان باشا الحلبي وعزل عبد الله باشا المذكور أواخر سنة أربع وأربعين ومائة وألف وأمراء مصر في هذا التاريخ محمد بك قطامش وتابعه علي بك قطامش وعثمان جاويش القازدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعبد الله كتخدا القازدغلي وسليمان كتخدا القازدغلي وحسن كتخدا القازدغلي ومحمد كتخدا الداودية وعلي بك ذو الفقار وعثمان بك ذو الفقار خشداشة‏.‏

ووصل مسلم محمد باشا السلحدار فأخبر بولاية محمد باشا السلحدار وقدم من البصرة سنة 1145 ونزل عبد الله باشا إلى بيت شكريره وأستمر محمد باشا واليا على مصر إلى سنة ست وأربعين ثم عزل وتولى عثمان باشا الحلبي ووصل المسلم بقائمقامية إلى علي بك ذي الفقار فطلع إلى الديوان ولبس القفطان من عثمان باشا ونزل إلى بيته وحضر إليه الأمراء وهنوه وخلع علي اسمعيل بك أبي قلنج أمين السماط ووصل عثمان باشا إلى العريش وتوجهت إليه الملاقاة وأرباب الخدم وحضر إلى العادلية وعملوا له شنكا وطلع إلى القلعة وخلع الخلع وورد قابجي باشا بالسكة وأبطال سكة الذهب الفندقلي وضرب الزر محبوب كامل وصرفه مائة نصف فضة وعشرة أنصاف وكذلك سكة النصف محبوب وصرفه خمسة وخمسون وزاد في الفندقلي الموجود بأيدي الناس أثني عشر نصف فضة فصار يصرف بمائة نصف وستة وأربعين نصفًا وحضر مرسوم أيضًا بتعيين صنجق للوجه القبلي بتحرير النصارة واليهود وما عليهم من الجزية في كل بلد العال أربعمائة نصف وعشرون نصفًا والوسط مائتان وسبعون والدون مائة‏.‏

فتشاوروا فيمن ينزل بصحبته الأغا والكاتب من الأمراء الصناجق لتحرير بلاد قبلي فقال حسين بك الخشاب‏:‏ أنا مسافر بمنصب جرجا وينزل بصحبتي الأغا المعين وأنظروا من يذهب إلى بحري‏.‏

فقال محمد بك قطامش‏:‏ كل إقليم يتقيد بتحريره الكاشف المتولي عليه ومعه الأغا والكاتب فاتفق الرأي وفي أيامه عمل اسمعيل بك بن محمد بك الدالي مهما لزواج ولده ودعا عثمان باشا إلى منزله الذي ببركة الفيل وعندما حضر الباشا وأستقر به الجلوس وضع بين يديه منديلًا فيه ألف دينار برسم تفرقة البقاشيش على الخدم وأرباب الملاعيب وقدم له تقادم خيول وهدايا وجودا مرختا وذلك في شعبان سنة 1147‏.‏

ومن الحوادث في أيامه أن في أوائل رمضان سنة تاريخه ظهر بالجامع الأزهر رجل تكروري وأدعى النبوة فأحضروه بين يدي الشيخ أحمد العماوي فسأله عن حاله فأخبره أنه كان في شربين فنزل عليه جبريل وعرج به إلى السماء ليلة سبع وعشرين رجب وأنه صلى بالملائكة ركعتين وأذن له جبريل ولما فرغ من الصلاة أعطاه جبريل ورقة وقال له أنت نبي مرسل فأنزل وبلغ الرسالة وأظهر المعجزات‏.‏

فلما سمع الشيخ كلامه قال له أنت مجنون فقال لسب بمجنون وأنما أنا نبي مرسل فأمر بضربه فضربوه وأخرجوه من الجامع‏.‏

ثم سمع عثمان كتخدا فأحضره وسأله فقال مثل ما قاله للشيخ العماوي فأرسله إلى المارستان فأجتمع عليه الناس والعامة رجالًا ونساء ثم أنهم أخفوه عن أعين الناس ثم طلبه الباشا فسأله فأجابه بمثل كلامه الأول فأمر بحبسه في العرقانة ثلاثة أيام ثم أنه جمع العلماء في منتصف شهر رمضان وسألوه فلم يتحول عن كلامه فأمروه بالتوبة فأمتنع وأصر على ما هو عليه فأمر الباشا بقتله فقتلوه بحوش من الحوادث الغريبة في أيامه أيضًا أن في يوم الأربعاء رابع عشري الحجة آخر سنة 1147 أشيع في الناس بمصر بأن القيامة قائمة يوم الجمعة سادس عشري الحجة وفشا هذا الكلام في الناس قاطبة حتى في القرى والأرياف وودع الناس بعضهم بعضًا ويقول الإنسان لرفيقه‏:‏ بقي من عمرنا يومان وخرج الكثير من الناس والمخاليع الغيطان والمنتزهات ويقول بعضهم لبعض دعونا نعمل حظًا ونودع الدنيا قبل أن تقوم القيامة‏.‏

وطلع أهل الجيزة نساء ورجالًا وصاروا يغتسلون في البحر‏.‏

ومن الناس من علاه الحزن وداخله الوهم ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلي وأعتقدوا ذلك ووقع صدقه في نفوسهم‏.‏

ومن قال لهم خلاف ذلك أو قال هذا كذب لا يلتفتون لقوله ويقولون هذا صحيح وقال فلان اليهودي فلان القبطي وهما يعرفان في الجفور والزايرجات ولا يكذبان في شيء يقولانه‏.‏

وقد أخبر فلان منهم على خروج الريح الذي خرج في يوم كذا وفلان ذهب إلى الأمير الفلاني وأخبره بذلك وقال له أحبسني إلى يوم الجمعة وأن لم تقم القيامة فأقتلني ونحو ذلك من وساوسهم وكثر فيهم الهرج والمرج إلى يوم الجمعة المعين المذكور‏.‏

فلم يقع شيء‏.‏

ومضى يوم الجمعة وأصبح يوم السبت فانتقلوا يقولون فلان العالم قال أن سيدي أحمد البدوي والدسوقي والشافعي تشفعوا في ذلك وقبل الله شفاعتهم‏.‏

فيقول الآخر‏:‏ اللهم أنفعنا بهم فأننا يا أخي لم نشبع من الدنيا وشارعون نعمل حظًا ونحو ذلك من الهذيانات‏.‏

وأقام عثمان باشا في ولاية مصر إلى سنة 1148 فكانت مدة ولايته بمصر سنة واحدة وخمسة أشهر‏.‏

ولاية باكير باشا وتولى بعده باكير باشا وهي ولايته الثانية فقدم من جدة إلى السويس من القلزم لأنه كان واليا عليها بعد انفصاله من مصر فقدم يوم السبت رابع عشري شوال سنة 1147 ولما ركب بالموكب كان خلفه من أتباعه نحو الثلاثين خيالًا ملبسة بالزروخ المذهبة وله من الأولاد خمسة ركبوا أماه في الموكب وصرخت العامة في وجهه من جهة فساد المعاملة وهي الأخشا والمرادي والمقصوص والفندقلي فإن الاخشا صار بستة عشر جديد والمرادي بأثنى عشر والمقصوص بثمانية جدد وصار صرف القندقلي بثلثمائة نصف والجنزرلي بمائتين وغلت بسبب ذلك الأسعار وصار الذي كان بالمقصوص بالديواني فلم يلتفت الباشا لذلك‏.‏

في شهر القعدة ورد أغا وعلى يده مرسوم بطلب سفر ثلاثة آلاف عسكري لمحافظة بغداد وأن يكون العسكر من أصحاب العتامنة ولا يرسلوا عسكرا من فلاحي القليوبية والجيزة والبحيرة وشرق أطفيح والمنصورة فقلدوا أمير السفر مصطفى بك اباظة حاكم جرجا سابقًا وسافر حسن بك الدالي بالخزينة وأرتحل من العادلية في منتصف هر الحجة وكان خروجه بالموكب في أوائل رجب‏.‏

فأقام خارج القاهرة نحو خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا وأوكب مصطفى بك بموكب السفر يوم الخميس خامس الحجة وسافر في المحرم سنة ثمان وأربعين‏.‏

وفي عاشر الحجة يوم الأضحية قبل آذان العصر خرجت ريح سوداء غربية أظلمت منها الدنيا وحجبت نور الشمس فغرق منها مراكب وسقطت أشجار ومن جملتها شجرة جميز عظيمة بناحية الشيخ فمر وهدمت دورا قديمة وشجرة اللبخة بديوان مصر القديمة ثم أعقبها بعد العشاء مطرة عظيمة ووصل أيوب بك أمير سفر العجم وطلع إلى الديوان ألبسه الباشا قفطان القدوم والسدادة وأصحاب الدركات وكانت مدة غيابه سنتين وثلاثة أشهر‏.‏

وفي أيامه ورد أغا وعلى يده مراسيم وأوامر منها أبطال مرتبات الأولاد والعيال ومنها أبطال التوجيهات وأن المال يقبض إلى الديوان ويصرف من الديوان وأن الدفاتر تبقى بالديوان ولا تنزل بها الأفندية إلى بيوتهم‏.‏

فلما قرئ ذلك قال القاضي أمر السلطان لا يخالف ويجب أطاعته‏.‏

فقال الشيخ سليمان المنصوري يا قاضي الإسلام هذه المرتبات فعل نائب السلطان وفعل النائب كفعل السلطان وهذا شيء جرت به العادة في مدة الملوك المتقدمين وتداولته الناس وصار يباع ويشرى ورتبوه على خيرات ومساجد وأسبلة ولا يجوز أبطال ذلك وإذا بطل بطلت الخيرات وتعطلت الشعائر المرصد لها ذلك فلا يجوز لأحد يؤمن بالله ورسوله أن يبطل ذلك وأن أمر ولي الأمر بأبطاله لا يسلم له ويخالف أمره لأن ذلك مخالف للشرع ولا يسلم للأمام في فعل ما يخالف الشرع ولا لنائبه أيضًا‏.‏

فسكت القاضي فقال الباشا هذا يحتاج إلى المراجعة ثم قال الشيخ سليمان‏:‏ وأما التوجيهات ففيها تنظيم وصلاح وأمر في محله وانفض الديوان على ذلك وكتب الشيخ عبد الله الشبراوي عرضًا في شأن المرتبات من إنشائه ولولا خوف الإطالة أسطرته في هذا المجموع ثم أنهم عملوا مصالحة على تنفيذ ذلك فجعلوا على كل عثماني نصف جنزرلي وحضروا المرتبات في قائمقامية إبراهيم بك أبي شنب وابن درويش بك وقطامش وعلي بك الصغير تابع ذي الفقار بك من سنة ثلاثين فبلغت ثمانية وأربعين ألف عثماني فكانت أربعة وعشرين ألف جنزرلي فقسموها بينهم وأرسلوا إلى عثمان بك ورضوان بك ألف جنزرلي فأبيا من قبولها وقالا هذه دموع الفقراء والمساكين فلا نأخذ منها شيئًا فإن رجع رد الجواب بالقبول كانت مظلمة وأن جاء بعدم القبول كانت مظلمتين‏.‏

الطاعون ووقع الطاعون المسمى بطاعون كو ويسمى أيضًا الفصل العائق يأخذ على الرائق ومات به كثير من الأعيان وغيرهم بحيث مات من بيت عثمان كتخدا الغازدغلي فقط مائة وعشرون نفسًا وصارت الناس تدفن الموتى بالليل في المشاعل‏.‏

ووقع في أيامه الفتنة التي قتل فيها عدة من الأمراء وسببها أن صالح كاشف زوج هانم بنت ايواظ بك كان ملتجئًا إلى عثمان بك ذي الفقار وتزوج ببنت ايواظ بك بعد يوسف بك الخائن وكان من القاسمية فحرضته على طلب الإمارة والصنجقية وتأخذ له فائظ عشرين كيسًا وكلم عثمان بك في شأن ذلك فوعده ببلوغ مراده وخاطب محمد بك قيطاس المعروف بقطامش و هو إذ ذاك كبير القوم في ذلك فلم يجبه وقال له‏:‏ تريد أن تفتح بيتًا للقاسمية فيقتلونا على غفلة هذا لا يكون أبدًا ما دمت حيًا‏.‏

وكان عثمان بك المذكور أخذ كشوفية المنصورة فانزل فيها صالح كاشف قائمقام فلما كمل السنة ورجع تحركت الهمة إلى طلب الصنجقية وعاود عثمان بك في الخطاب وهو كذلك تكلم مع محمد بك فصمم على الامتناع فوقع على الأغوات والاختيارية فلم يجب ولم يرض ووافقه على الأمتناع علي بك تابع المذكور وخليل أفندي فذهب صالح كاشف إلى عثمان كتخدا القازدغلي وأتفق معه على قتل الثلاثة وقال له‏:‏ أعمل تدبير في قتلهم فذهب إلى رضوان بك أمير الحاج سابقًا وسليمان بك الفراش فاتفق معهما على قتل الثلاثة في بيت محمد بك الدفتر دار باطلاع باكير باشا‏.‏

وعرفوا محمد بك بذلك فرضي وكتب فرمانا بالجمعية في بيت الدفتر دار بسبب الحلوان والخزينة‏.‏

فركبوا بعد العصر إلى بيت محمد بك قطامش وركبوا معه إلى بيت الدفتر دار وصحبتهم علي بك وصالح بك وخليل أفندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي واختيار من الأسباهية ويوسف كتخدا البركاوي وحضر عثمان بك ذو الفقار وعثمان كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي وكتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة وعلي جلبي الترجمان‏.‏

فلما تكاملت الجمعية أمر محمد بك قطامش بكتابة عرضحال وقال للكاتب أكتب كذا وكذا فطلعة إلى خارج وصحبته كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا وجلس يكتب في العرض وقد قرب الغروب فأرادوا الانصراف فوقف الدفتر دار وقال‏:‏ هاتوا شربات‏.‏

وكان ذلك القول هو الإشارة مع صالح كاشف وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك‏.‏

ففتحوا باب الخزانة وخرج منها جماعة بطرابيش وهم شاهرون السلاح‏.‏

فوقف محمد بك قطامش على أقدامه وقال‏:‏ هي خونة فضربه الضارب بالقرابينة في صدره ووقع الضرب وهاج المجلس في دخنة البارودة وظلام الوقت فلم يعلم القاتل من المقتول وعندما سمع كتخدا الجاويشية أول ضربة وهو جالس مع الأفندي الكاتب نزل مسرعًا وركب وعلي الترجمان ألقى بنفسه من شباك الجنينة وعثمان بك ذو الفقار أصابه سيف فقطع شاشه وقاووقه ودفعه صالح كاشف فنجا بنفسه إلى أسفل وركب حصان بعض الطوائف وخرج من باب البركة وأصيب باش اختيار مستحفظان البرلي بجراحة قوية فأرسلوه إلى منزله ومات بعد ثلاثة أيام‏.‏

ثم أوقدوا الشموع وتفقدوا المقتولين وإذا هم محمد بك قطامش وعلي بك تابعه وصالح بك وعثمان بك كتخدا القازدغلي وأحمد كتخدا الخربطلي ويوسف كتخدا البركاوي وخليل أفندي وأغات الجملية وعلي صالح جربجي والأسباهي تتمة عشرة وباش اختيار الذي مات بعد ذلك في بيته‏.‏

فعروا المقتولين ثيابهم وقطعوا رؤوسهم وأتوا بهم جامع السلطان حسن فوجدوه مغلوقًا فأحرقوا ضرفة الباب الذي جهة سوق السلاح ووضعوا الرؤوس العشرة على البسطة ووضعوا عند كل رأس شيئًا من التبن وظنوا أنهم غالبون‏.‏

وطلع صالح كاشف إلى الباشا من باب الميدان فخلع عليه الصنجقية فطلب منه دراهم يفرقها في العسكر المجتمعين إليه فقال له‏:‏ أنزل لأشغالك وأنا أرسل إليك ما تطلب‏.‏

فنزل إلى السلطان حسن فوجد محمد كتخدا الداودية حضر باتباعه وجماعته هناك بظن أنهم غالبون وعندما بلغ الخبر سليمان كتخدا الجلفي ركب في جماعة بعد المغرب وطلع إلى باب العزب وكان كتخدا الوقت إذ ذاك أحمد كتخدا إشراق يوسف كتخدا البركاوي فطرق الباب فقال التفكجية‏:‏ من هذا فعرفهم عن نفسه فقال الكتخدا‏:‏ قولوا له‏:‏ أنت توليت الكتخدائية وتعرف القانون وأن الباب لا يفتح بعد الغروب فإن كان له حاجة يأتي في الصباح‏.‏

وأما عثمان بك فإنه لما خرج من باب البركة وشاشه مقطوع لم يزل سائر إلى باب الينكجرية فوجده ملآن جاويشية وواجب رعايا ونفر وطلع عندهم عمر جلبي بن علي بك قطامش فأخذه حسن جاويش النجدلي ومعه طائفة وطلع به إلى الباشا بعد نزول صالح كاشف فخلع عليه صنجقية أبيه وأعطاه فرمانًا بالخروج من حق الذين قتلوا الأمراء وحرقوا باب المسجد ونزل فرد على كتخدا الوقت وصحبته حسن جاويش النجدلي ومعهم بيرق وأنفار وواجب رعايا من المحجر خلف جامع المحمودية وبيت الحصري وزاوية الرفاعي‏.‏

وكانت ليلة مولده وهي أول جمعة في شهر رجب سنة 1149 فعملوا متريز على باب الدرب قبالة باب السلطان حسن وضربوا عليها بالرصاص وكذلك من باب العزب وبيت الأغا وكان أغات العزب عبد اللطيف أفندي روزنامجي مصر سابقًا‏.‏

وأما صالح بك فإنه أنتظر وعد الباشا فلم يرسل له شيئًا فاخذ رضوان بك وعثمان كاشف ومملوك سليمان بك واختفوا في خان الخليلي واختفى أيضًا محمد بك اسمعيل ومحمد كتخدا الداودية ندم على ما فعل فركب بجماعته وذهب إلى بيت مصطفى بك الدمياطي فوجده مقفولًا‏.‏

فطرق الباب فلم يجبه أحد فذهب إلى بيت إبراهيم بك بلغيه ودخل هناك ولما بطل الرمي من السلطان حسن هجم حسن جاويش فلم يجد به أحدًا ولما طلع النهار ذهبوا إلى بيت الدفتر دار فنهبوه ونهبوا أيضًا بيت رضوان بك وذهبوا إلى سليمان بك قتلوه وقطعوا رأسه ونهبوا البيت وأتوا إلى الباب‏.‏

ثم أن السبع وجاقات اجتمعوا في بيت علي كتخدا الجلفي وقالوا له‏:‏ أنت بيت سر يوسف كتخدا البركاوي ولا يفعل شيئًا إلا باطلاعك وعندك خبر بقتل أمرائنا وأعياننا والشاهد على ذلك مجيء خشداشك سليمان كتخدا بعد المغرب بطائفته يملك باب العزب فحلف بالله العظيم لم يكن عنده خبر بشيء من ذلك ولا بمجيء سليمان كتخدا إلى الباب ولكن أي شيء جاء بمحمد كتخدا الداودية إلى السلطان حسن‏.‏

ثم أنهم أنزلوا باكير باشا وعزلوه وطيبوا عليه حلوان بلاد المقتولين وكتبوا عرض محضر وسفروه صحبة سبعة أنفار‏.‏

فحضر مصطفى أغا أمير أخور كبير ومعه مرسوم من الدولة بضبط متروكات المقتولين فمكث بمصر شهرين ثم ورد أمر بولايته على مصر وتوجيه باكير باشا إلى جدة‏.‏

تولية مصطفى باشا وسليمان باشا الشامي فتولى مصطفى باشا فأقام واليًا بمصر إلى سنة 1152 وتولى بعده سليمان باشا الشامي الشهير بابن العظم ولما أستقر في ولاية مصر أراد إيقاع فتنة بين الأمراء فضم إليه عمر بك ابن علي بك قطامش فأرسل إليه من يأمنه على سره واتفق معه على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي وعلي كتخدا الجلفي وهم إذ ذاك أصحاب الرياسة بمصر‏.‏

ووعده نظير ذلك إمارة مصر والحاج وأن يعطيه من بلادهم فائظ عشرين كيسًا فجمع عمر بك خليل أغا وأحمد كتخدا عزبان وإبراهيم جاويش قازدغلي واختلى بهم وعرفهم بالمقصود وتكفل أحمد بقتل علي كتخدا وخليل أغا بعثمان بك وإبراهيم جاويش بعبد الله كتخدا‏.‏

وإذا انفرد إبراهيم بك أخذوه بعد ذلك بحيلة وقتلوه في الديوان‏.‏

ثم أن أحمد كتخدا أغرى بعلي كتخدا الاظ إبراهيم فقتل علي كتخدا عند بيت أقبري وهو طالع إلى الديوان وبلغ الخبر عثمان بك فتدارك الأمر وفحص عن القضية حتى أنكشف له سرها وعمل شغله وقتل أحمد كتخدا‏.‏

وعندما قتل علي كتخدا ظن الباشا تمام المقصد فأراد أن يملك باب الينكجرية بحيلة وأرسل مائتي تفكجي ومعهم مطرجي وجوخدار وهم مستعدون بالأسلحة فمنعهم التفكجية من العبور وطلب الكتخدا شخصين من أعيانهم يسألهما عن مرادهم‏.‏

فقالا‏:‏ أن الباشا مقصر في حقنا ولم يعطنا علائفنا‏.‏

فأرسل معهم باش جاويش بالسلام على الباشا من الاختيارية والوصية بهم فقبل ذلك ولم يتمكن من مراده‏.‏

ثم أن حسين بك الخشاب طلع إلى باب العزب وتحيل في نزول أحمد كتخدا من الباب وملك هو الباب‏.‏

واجتمعوا بعد ذلك وأمروا الباشا بالنزول إلى قصر يوسف‏.‏

فركب وأراد أن يدخل إلى باب الينكجرية فرفعوا عليه البنادق فدخل إلى قصر يوسف فوجده خرابًا فأخذ حسن جاويش النجدلي خاطر الينكجرية على نزوله ببيت الأغا وانتقل الأغا إلى السرجي فأقام الباشا إلى أن نزل ببيت البيرقدار وسافر بعد ذلك فكانت ولايته على مصر إلى شهر جمادى الأولى سنة 153‏.‏